Skip to main content

Full text of "محاكمة فرعون"

See other formats







الليلة الأخيرة من ( رمضان ) ١40١‏ هجرية . 

ليلة من ليالى صيف ١981‏ ميلادية .00 

الحواء ساخحن .. الرطوبة خخانقة .. عيد ( الفطر ) بعد ساعات قليلة .. لكن أولىك الرجال الذين 
اجتمعوا فى مبنى نقابة الحامين لم يشعروا فى صدورهم بالفرح ولابالبيجة ..كانوا يشعرون أن كابوسا 
ثقيلا قد حط على البلاد » ونشر جناحين من الغم والزهق عليبا .. من ( السلوم ) الى ( شرم 
الشيخ ) .. ومن ( الأسكندرية ) إلى ( وادى حلفا ) وكان أولنك الرجال بالدات يشعرون بأن هذا 
الكابوس أقرب إلمهم من غيرهم ..كانوا يشعرون أن أنياب هذا الوحش الكاسر قد استقرت فى 
عقولهم .. وأظافره تمرح وتعربد فى قلوبهم .. فهم محامون .. رسالتهم الدفاع عن حقوق الآخرين ,. 
لكنهم عاجزون عن الدفاع عن حقوقهم .. لقد حل رئيس الجمهورية مجلس نقابتهم » وعين لحم 
مجلسا اخخر ..مؤقنا ..رغم إرادتهم .. ولم يسمح لحم بحق الاعتراض .. أو حتى ( الاشمدناط ) .. فشل 
( عبد العريز الشوربجى ) المحامى الذى وقف للسادات بالمرصاد ف النقابة . . |فْشل فى تذبير مسيرة 
تجوب شوارع القاهرة .. وفشل فى نشر أى بيان يعبر عن المحامين الغاضبين فى الصحف .. فلم يعد 
أمامه ‏ هو وزملاء الغضب ‏ سوى الجلوس فى مبنى النقابة ‏ بوسط القاهرة ‏ وتبادل 
١‏ الغيظ ) .. ١‏ 

ويبدو أن الدار التى كانت فى صدر ( الشوريجى ) قد حرقت كل ضلوعه ماع سباي 
( ألايوجد فى هذا البلد رجل .. رجل واحد يخلصها ويخلصنا جميعا من هذا الفرعون ) .. 
جميعا نبدىء من ثورته .. ونحن نؤكد له : أن مصر حبل دائما بالرفض - وني الآن ساق 8 
اخخاض .. 

فى ذلك الوقت كان ( الشوريجى ) قد جاوز السبعين من عمره .. وأتاح له هذا العمر الطويل أن 
يكشف ألاعيب ومناورات السياسيين وأن يكفر بها .. وأن يشعر أن الخلاص أصبح معلقا على رجل 
واحد .. يألى .. ليذهب كل شىء.. ولا أعرف لاذا خطر ببالى ساعتها .. أن الرجل المنتظر لابد أن 
يخرج من صفوف الجيش .. ولاأذكر ما إذا كنت قد عبرت للاخرين ‏ عن هذا الخاطر أم لا ؟! 


١ 


ولم تمر آيام طويلة حتى كان ( عبد العزيز الشوريجى ) تحت التحفظ .. اعتقل مع ١675‏ شخصا 
من مختلف التياراث والجماعات والاتجاهات .. كانت الكشوفن التى تضم أسماءهم معدة سلفا .. 
بخلاف كشوف أخرى تضم أسماء سبعة آلاف عضو من ( الجماعات الإسلامية ) قال السادات. 
عنبم فيما بعد ( فى بيان ه سبتمبر ١980١)إنه‏ يعرفهم جيدا . 

وخشينا أن يموت ( الشوريجى  )‏ الذى نقل إلى إحدى غرف العناية المركزة بمعهد القلب ‏ 
قبل أن يأ الرجل المنتظر .. لكن القدر شاء ألا يأ ملك الموت قبل أن يأتى الرجل التنظر .. أو 
الشاب المنتظر .. خالد أحمد شوق الاسلامبولى الذى اغتال السادات فى وضع النهار ووسط سلاحه 
وحراسه والذى دخخل التاريخ من أوسع أبوابه باعتباره أول ( مصرى ) يقتل ( فرعونا ) منذ عصر 
( الأهرامات ) الى عصر ( الانفتاح ) . 

وشاء القدر أن يحضر ( الشورجبى ) إحدى جلسات محاكمة ( خالد الاسلامبولى ) .. وأن 
يعانقه .. وأن يعامل خالد معاملة الأبطال .. وبعد أيام من هذا اللقاء مات ( الشوربجى ) .. وتحولت 
جنازته |إلى مسيرة شعبية . 


وكا أحسست أن الرجل المنتظر سيخرج من الجيش .. أحسست ‏ ب بما يشبه اليقين ‏ أنئى 
سأدافع ‏ كمحام ‏ عن الذين قتلوا ( السادات ) .. وظل هذا الاحساس يرافقنى كظل » حتى 
انتندبنى ,نقابة ( الحامين ) الفرعية بالقاهرة مع عحامين آخرين هذه للهمة .. لكن .. بسبب ظروف 
خارجة عن إرادق لم أشارك فى الجلسة الأولى من المحاكمة .. والتى عقدت فى 7١‏ نوفمير 194١‏ .. 
بإحدى المحطات العسكرية تمنطقة الجبل الأحر . 

وبدأ المشوار التاريخى مع هذه القضية ‏ التى يمكن أن توصف بحق بقضية العصر. فى "٠‏ 
نوفمبر ١4481‏ .. تاريخ انعقاد الجلسة الثانية من المحاكمة .. كانت بداية متأخرة بعض الوقت .. 
وكانت آخر نسخة من ملف القضنية تلك التى كانت من نصيبى .. وقد تسلمتها بعد أن قضيت أكثر 
من ثلاثة أيام فى اللف والدوران لكى أحصل على تصريح دخول المحكمة .. 

ومن الصعب على أن أصف مشاعرى وأنا فى طريق المحكمة .. أول مرة .. إن كل مشاعر البشر 
وضعت -. ذلك الصباح ‏ فى سلة واحدة حملتها فى صدرى ويين ضلوعى .. لكن .. من المؤكد 
أن اجراءات الأمن والدخول إلى منطقة المحكمة كانت كفيلة بأن تجعل أى محام يندم على قبول هذه 
المهمة .. كان على المحامى أن يسلم حقيبة يده إلى رجل من رجال الأمن , ثم ,يتوجه الى مجموعة 
أخرى من رجال الأمن لتفحصه » وبعد الفحص تقدم له بطاقة خاصة مستخرجة من انخابرات 
الحربية تعلق على الصدر .. ثم يصعد سيارة أنوبيس يتسلم فيها الحقيبة .. ولايمكن مغادرتها بأى حال 
من الأحوال .. وتتحرك السيارة بالمحامين ورجال الأمن .. وفى منتصف الطريق تقف » ويفتش 
المحامون بأصابع مجموعة جديدة من مجموعات الأمن .. والتفتيش ‏ هله المرة ‏ إما عشواف أو 
للجميع .. والتفتيش هذه المرة يكون ذاتيا .. وعندما تصل السيارة إلى بوابة المحكمة كان علينا أن 
نسير داخخل سور لايسمح بحرور أكثر من فرد وأحد ليتم تفتيش جديد يشمل الحقيبة .. والثياب .. 


١ 


وحتى الحذاء .. يتبعه تفتيش آخر بجهاز الكترونى يكشف الأسلحة والأجسام المعدنية والأشياء 
الغريبة .. 

ولا يجوز الدخول بالأدوية إلا بعد مراجعتها بمعرفة صيدل من جانبهم .. حتى أقلام 
( الفلوماستر) كان يتعين فكها للتأكد أنبا فعلا أقلام لاشىء آخر . 

وبعد كل هذه الاجراءات كان على كل منا أن يدخل قاعة المحكمة بصحية أحد رجال الأمن .. 
يوصله إلى استراحة خاصة للمحامين لايمكن الخروج منها . طالما دخلتها » إلا حين يأذن رئيس 
المحكمة ببدء الجلسة .. وساعتها يوصلك رجل أمن اخر إلى داخل القاعة التى يفصلها عن حجرة 
الحامين ( طرقة ) بها دورة مياه » منزوعة الأبواب وعلى نوافذها الحديدية من الخخارج فوهة بندقية فى 
يد قناص .. وبداخلها يقف أكثر من جندى غير مستعدين للتفاهم بأى لغة 59 وأيديهم على زناد 
أسلحتهم .. وقد شهروا ( السونكى ) من باب ( الاحتياط )1.. 

داجل قاعة ( الجلسة ) يجلس فى٠نهاية‏ كل مدرج من المقاعد وبالقرب من أقفاص المتهمين رجال 
الأمن وينتشر رجال الشرطة العسكرية رغم أن أقفاص الحهمين كانت داخل قفص أكبر منها .. أى 
أقفاص داخل قفص .. وكان القفص الخارجى لإبعاد أى شخص يقترب من المتهمين .. 

والغريب أنه لم يكن مسموحا ‏ على الاطلاق ‏ لأى محام أن يتصل بالمتهم الذى يتولى الدفاع 
عنه على انفراد.. على أن الفترة الوجيزة التى سبقت دخول الضباط ‏ القضاة كانت كافية للتعرف 
على المتهمين وحملت هذه الفترة الوجيزة مفاجأة للدفاع » وضعته فى مأزق صعب .. فقد قرر 
المنبمؤن الأربعة الآول الذين فتحوا نيران سلاحهم على المنصة وقتلوا السادات ( خالد الاسلامبولى : 
وعبد الحميد عبد السلام وعطا طايل وحسين عباس ) أنهم لن يقبلوا أى دفاع عنهم ينفى عنهم 
( شرف قتل السادات ) .. وأعلنوا أنهم سيتخلصون من المحامى الذى يرفض اعترافهم بما فعلوه ... 

لقد اعتبروا أنفسهم ‏ منذ للحظة نجاح مهمتبم ‏ فى عداد الشهداء .. وربما وصلوا إلى هذه 
القناعة قبل ذلك بقليل .. منذ أن فكروا .. وقرروا .. ودبروا . 

وقبل الدفاع المهمة دون تردد .. وعلى صعوبتها .. ورغم اعتراف المتبمين بالقتل !| 

وسارع ( خالد الاسلامبولى  )‏ قبل أن تدخل هيئة المحكمة ‏ بالاعتراف علنا .. حين قال : 
( أنا'قاتل السادات ) .. ( أنا قاتل فرعون ) .. ( أنا قاتل الطاغوت ) .. وراح رجال الاعلام 
يسجلون هذا الاعتراف .. بالصوت .. وبالصورة .. 

وعندما سأله ( رئيس امحكمة ) السؤال التقليدى : ( مذنب أم غير مذنب ؟ ) .. رد بصوت 
جهورى : ( نعم أنا مذنب ) .. وقبل أن ينتقل السؤّال الى المتهم الثانى ( عبد الحميد ) كان لابد من 
أن يتدخل الدفاع لايقاف هذه الاعترافات .. إن اعتراف عبد الحميد وباق المتبمين ( 74 متهما ) 
أمر متوقع .. وهذا يعنى أن المحاكمة.قدءانتبت بمجرد أن بدأت .. وراح الدفاع يوضح الأمر أمام 
المتبمين لتكون الاجابة على السؤوال وليدة فهم سلم .. ( نعم خالد ورفاقه الثلاثة قتلوا السادات .. 


١ نه‎ 


وهم يفخرون بذلك .. ويشهدون عليه .. لكن .. التهم الموجهة إليهم أكبر من مجرد اعهام بقتل فرد 
واحد ٠‏ .. إن نهم الموجهة م تت تتعدى ذلك وتصل إل بيد بقتل ل من تل , أصيب مع 
يقوله فى هذه الهم الإضافية ) .. 

وعندما فهم خالد ذلك .. قرر أنه غير مذنب .. وتبعه الباقون .. وتنفس الدفاع الصعداء ! 

ورحنا جميعا نعمل كفريق واحد 6.6 وزعنا الأدوار كل حسسا تخصصه .. فهناك حامون 
عسكريون أى محامون عملوا بالقضاء العسكرى وهم خبرة فى هذا النوع من القضايا .. وهناك 
آخرون لحم ماضيهم وخبراتهم الواسعة بالقضايا السياسية .. بالإضافة إلى عدد لاباس به من 
المتخصصين فى قضايا الجنايات دون سواها .. وكانت هذه القضية فى حاجة إلى كل هذه 
التخصصات لأنها كانت قضية جنائية .. لها جناح عسكرى .. وجناح آئخر سيامى!! 

والقضية بهذا التوصيف ليس لا سابقة فى تاريخ مصر . 

واتفق الدفاع على الوقوف أمام الحكمة وقفة زجل واحد .. محام واحد يتحدث زيابة عن الجميع 

.. لايثير محام نقطة ما أمام امحكمة إلا ويدعمه باق المحامين فى هذه النقطة سواء بالكلام أو الأوراق 
أو الملاحظات .. ولاياخذ أى محام موقفا إلا وياخذ الباق نفس الموقف . 

ونجحت هذه الخطة .. 

لكن .. تعنت المحكمة كان أكبر من أى نجاح .. 

وكان أول الغيث .. الاكتفاء بأسبوع واحد للمحامين للاطلاع على ملف القضية .. ثم كان قرار 
سرية الجلسات ( ابتداء من الجلسة الثالثة فى ه ديسمبر 1580١‏ ) ( بدعوى ) الحفاظ على أسرار 
القوات المسلحة الخاصة بنظام الخدمة والحراسات والتسليح وغيرها التى تتداول بالجلسات ومراعاة 
للنظام العام ) .. وهو قرار لم تطلبه النيابة العسكرية .. صاحبة الدعوى .. ول يطلبه الدفاع بالطبع 
.. وفيما بعد سجلت المحكمة فى أسباب حكمها أنبا اتخذت هذا القرار بعد أن 'ستبان ا أن الدفاع 
كان سيختط له خطا يتضمن التجريم فى شخص رئيس الجمهورية امجنى عليه .. وأغلب الظن أن 
سرية الجلسات كانت بقرار من جهة عليا ٠.‏ وهو أمر لم يفصح عنه أى محام فى الجلسات العلنية 
الأولى والثانية .. فقد صرح وزيز ألدفاع : قبل انعقاد المحاكمة ‏ أن القضية سحداول فى سرية 1 


ومع تطور سير الدعوى ازداد التعنت .. 
ووصل الدفاع والمحكمة ‏ فى كثير من الأحيان ‏ الى طريق مسدود .. 


الطريق المسدود .. إن ذلك يعد طرقا مبكرا على هذا الباب .. وإن كانت هذه البداية قد أوصلتنا 
بسمرعة إليه فإن الامر كان إجباريا ٠6‏ ولابد مئة .. حيث كان من الضرورى وأنا رجل لاأحترف 


١ 


الكتابة أن اختار ضربة بداية ملائمة لملعبى .. مهنة المحاماة .. وأن تشرح هذه البداية وتفسر وتبرر 
علاقتى بتسجيل ورصد هذا الحادث .. الذى سمى بحادث المنصة .. والذى أنبى فترة من حكم مصر 
إن البداية التى اضطررت إليبا .. كان لابد منها .. 
لكنبها .. لا تنفى أن هناك بداية أخرى 3 أصبح من الضرورى أن نلجا اليبا الآن .. وربما على 
جناح السرعة .. وخاصة أن الأبطال .. والكومبارس .. والمكان والزمان يلحون فى ذلك الحاحا 
لايمكن الفرار منه]